الجنون العام
ليس هناك اغرب من عاده شرب الدخان , أن يصرف رجل عاقل نقوده في إحراق بعض المخلفات واستنشاق مخلفاتها ودخانها اللاسع الكريه.
يدخن ويسعل ويبصق , ثم يعود فيبتلع الدخان ليسعل ويبصق من جديد , ويقول بصوت أجش مشروخ إنه يشكو من برد مزمن , وإنه لهذا السبب قد استبدل نوع الدخان الذي يستخدمه.
ثم ينفث حلقات الدخان وهو يحملق في الفراغ وفمه مفتوح , وقد سبح بخياله في حاله انعدام الوزن , لا يفكر في شئ...
مشهد كاريكاتوري من الكوميديا السوداء في مسرح جنون الحياة ,
قصه بلهاء من خمس دقائق تبدأ بشطه عود كبريت , ثم حركات استعراضيه من رجل عجيب يأخذ أوضاعا بهلوانية في كرسيه ويسترخي ويسرح ويشفط ، لينفخ ويسعل ويبصق ,
ونفهم من القصة انه يدفع من قوته وقوت عياله في سبيل هذا الدخان , أو يسرق من كدح والده ورزق أهله ليؤذي به نفسه
ثم يعود فيدفع مره أخرى ليعالج نفسه من هذا السعال والدخان ....
وإذا سألته ... وماذا ستفعل؟ , يقول لك: سأستبدل لفافة التبغ بالسيجار أو السيجار بالشيشة أو الشيشة بالجوزة
وتراه يصوم عن الأكل ولا يستطيع أن يصوم عن السيجارة
وتراه يستمر في هذا الانتحار الصغير كل يوم فيلقي بصحته ونقوده في بحر من الغباء , ويقف يتفرج في بلاهة على الاثنين يغرقان يستغيثان.... وهو يسعل ويبصق ويلهث.....
إنسان ضعيف فقير , مثير للشفقة , يحتاج للمساعدة بجبروته يقتل نفسه ببطء في تلذذ واستمتاع
رجل مخبول تماما .... ولكن هذا المخبول هو كل الناس ( المدخنين وغيرهم )
بعض الناس ينتحرون , والبعض صامتون ......... لسبب غير مفهوم... !؟!
العملة الصعبة التي تنفق في استيراد التبغ والسيجارة والمعسل في العالم كافيه لحل مشاكل المجاعة والفقر والجهل والمرض.
والإنسان المجنون ابتكر وسائل انتحار أخرى غير التبغ , مثل الأفيون والحشيش والكوكايين والهيروين وعقاقير الهلوسة والخمور بأنواعها
ولم يكتف بهذا فاخترع أسلحه القتل السريع الأكيد مثل الرصاصة والقنبلة والغاز السام
ثم عاد فابتكر الأعذار والمبررات الجاهزة للقتل , مثل الصراع الطبقي وتغير التاريخ وإنقاذ الحرية والحرية ذاتها كانت المخدر الأكبر ..........
المدخن يقول أنا أدخن لأني حر
ومدمن المخدرات يقول أنا حر
والذي يطلق أول رصاصه يطلقها ليكون حرا
ودائما الحرية هي أول ما تجهز عليه هذه الأسلحة , لقد كانت دائما هي الضحية
ليست الحرية هي الفعل اللاوعي الغير مسؤول , ولكن الحرية هي احترام حقوق الآخرين
الإنسان القاتل والمقتول في محكمه يتوه فيها الجاني من المجني عليه ( كلاهما الضحية )
ولكن الجنون العام هو الحقيقة
د. حسيني نبيل الخطيب
الرئيسية 